بعد أن حذرت منه الهيئة الأمريكية للدواء والغذاء.. متخصصون وأطباء لـ "الاقتصادية":
البوتوكس يسبب شلل القلب والعضلات وحقنته في الوريد قاتله
بعد أن حذرت أخيرا الهيئة الأمريكية للدواء والغذاء FDA من استخدام مادة البوتوكس في أغراض تجميلية ووصفتها بأنها تؤدي إلى الوفاة، أكد لـ "الاقتصادية" متخصصون أن إساءة استخدام البوتوكس تحدث مشكلات خطيرة وخاصة في حال حقنه في مكان خاطئ مثل الحقن في الوريد الذي يعطي جرعة عالية في الدم مباشرة وتسبب شلل القلب، وفي ظل هذه التحذيرات من استخدام البوتوكس في العيادات المخصصة لذلك، إلا أن "الاقتصادية" كشفت عن وجود سوق سوداء لحقن البوتوكس تدور عملياتها في بعض المشاغل النسائية، والمنازل تقوم بها عاملات من الجنسية الفلبينية يجذبن زبونات المستشفيات التي يعملن فيها إلى بيوتهن بهدف عمل تلك العمليات مقابل نصف السعر.
تجارب شخصية
"الاقتصادية" حصلت على شهادات واقعية حول الآثار الجانبية السيئة للبوتوكس، وتروي أريج النايف تجربتها قائلة: "أعاني مشكلات التجاعيد الواضحة في وجهي وضمورا في بعض الأجزاء ما سبب لي الكثير من الإزعاج والقلق؛ لذلك قررت اللجوء لاستخدام البوتوكس بعد أن نصحتني إحدى العاملات المغربيات في مشغل نسائي، مؤكدة لي أن المشكلة ستنتهي بعد ذلك على أن أنتظم معها في الحقن كل فترة, مبينة أن العاملة أشارت إلى أن أسعارها أقل بكثير من المراكز الطبية التي تغالي في أسعار البوتوكس".
وتضيف النايف: "أكدت لي العاملة أن العملية سهلة جدا ولا تحتاج إلى تخدير وتنتهي خلال ربع ساعة وليس لها أي مضاعفات، ولكنها لم تبين لي أن هناك أعراضا جانبية للحقن"، مستطردة: "وعندما حقنت وجهي بعدة مواقع شعرت بألم واحمرار شديد في وجهي وتهيج شديد في بشرتي، ولم تستطع العاملة السيطرة عليه حيث بادرت بتسجيل أسماء أدوية ومراهم ادعت أنها جيدة يجب استخدامها بعد الحقن".
وتتابع النايف قائلة "تواصلت معي أعراض أخرى مثل الصداع والتنميل في وجهي وألم من وخز الإبر، وحكة شديدة في الوجه حتى بات الأمر لافتا للجميع, إضافة إلى صعوبة في تحريك الجفن، لذلك لم أعاود التجربة مرة أخرى خوفا من آثار أكثر خطورة، وعزز موقفي التقرير الصادر من الهيئة الأمريكية حتى أنني ندمت ندما شديدا على تلك التجربة".
من جانبها, أكدت أفنان عبد الله رفضها الشديد الحقن في المشاغل لأسباب عديدة وتقول: "إن حقن البوتوكس يحتاج إلى مهارة عالية، ولاحظت على إحدى صديقاتي التي حقنت في مشغل أنها تعاني عدم توازن في وجهها حيث يلاحظ أي إنسان أن هناك اختلافا كبيرا وعدم توازن في ملامح وجهها وكأن هناك تورما في مناطق بسبب جهل من حقنتها بالبوتوكس".
وتطالب أفنان بوقف المشاغل والصالونات عن الحقن بالبوتوكس ووضع حد لتلك الكارثة –على حد تعبيرها.
الاستثمار في هذا المجال لم يقتصر عند المشاغل، فالممرضات -وغالبيتهن من الجنسية الفلبينية - توجهن كذلك إلى هذا النوع من الاستثمار، فاطلاعهن على عمليات التجميل نتيجة عملهن مع جراحي التجميل في المستشفيات الحكومية والخاصة جعل من ذلك المجال فرصة للكسب غير القانوني، حيث يقمن بسحب الزبونات من المستشفيات التي يعملن فيها إلى منازلهن مقابل نصف المبلغ، وهذا ما تؤكده آلاء حجازي التي تقول: "عندما قررت إجراء عملية حقن بوتوكس في مستشفى معروف في جدة بخمسة آلاف ريال وفي أثناء انتظاري في الصالة المخصصة للنساء أتت إحدى الممرضات وقالت لي إن هناك إخصائية تقوم بالحقن بـ 2500 ريال، فتعجبت حينها وطلبت منها إعطائي الوصف الدقيق لمقر العيادة، لكنها ذكرت لي أن تلك الممرضة تعمل في المنزل، وبالفعل ذهبت وفوجئت بأنها تسوق لنفسها، فالممرضة التي كانت تتحدث معي في المستشفى هي نفسها التي تقوم بعمليات الحقن، ووجدت عندها طابورا طويلا من الفتيات وبعد الحديث معهن اكتشفت أنهن كن زبونات لدى تلك المستشفى ووصلن إلى هذا المكان بالطريقة نفسها التي وصلت بها.
أخطاء قاتلة
وفي تعليقه عن الحالات السابقة، يؤكد لـ "الاقتصادية" الدكتور جمال جمعة استشاري الجراحة التجميلية في مستشفى الملك فهد ومدينة الأمير سلطان, أن للبوتوكس آثارا جانبية خطيرة في حال إساءة استخدامه، مبينا أن إساءة استخدامه تحدث إما عن طريق الحقن في مكان خاطئ مثل الحقن في الوريد والذي يعطي جرعة عالية تصل إلى الدم مباشرة وتسبب شلل القلب، أو في حال إعطاء المستخدم للبوتوكس جرعة سامة.
واتفق كل من الدكتور جمال جمعة والدكتورة هيا الجوهر رئيسة قسم الأجهزة والدراسات في المختبر المركزي للأدوية في وزارة الصحة واستشاري جراحة التجميل, على أن مادة البوتوكس تحدث مشكلات في التنفس في حال وصولها إلى عضلات الجهاز التنفسي، حيث تتسبب في شللها وتسبب ضيق التنفس ومن ثم الوفاة, في حين أضافت الجوهر أن نسبة الوفيات في الماضي بسبب البوتيوليزم 70 في المائة، لكن هذه النسبة قلت كثيرا بسبب وجود أجهزة التنفس الصناعي حاليا.
كما اتفق الدكتور جمال والدكتورة هيا الجوهر على عدد وحدات الجرعة السامة للبوتوكس والتي تقدر بثلاثة آلاف وحدة أي ما يقارب 30 عبوة، إلا أنهما اختلفا في تقدير الجرعة الآمنة، حيث قال استشاري الجراحة التجميلية إن الجرعة المستخدمة بأمان هي من 50 إلى 100 وحدة، بينما انخفض ذلك العدد من 10 إلى 30 وحدة بناء على ما قالته الجوهر.
مكونات البوتوكس
وأوضحت رئيسة قسم الأجهزة أن مادة البوتوكس هو الاسم التجاري للبروتين الذي تنتجه بكتيريا تدعى clostridium botulinum وهي كلمة مكونة من شقين "بوت" مأخوذة من "بوتيولينم" وهو اللحم وكلمة "توكسين" تعني "سم" أي "بوتيولينم توكسين" Botulinum toxin، واستطردت قائلة إن "بوتيولينم توكسين" مادة بإمكانها شلّ بل وقتل ضحيّتها إذا تم تناولها في بعض الأغذية الفاسدة إلا أن إدارة الأغذية والأدوية الأمريكية سمحت باستخدامه عام 1989 من أجل معالجة حالتين مرضيتين في العين يسببهما تقلّص عضلي شديد يؤدي في الحالة الأولى إلى عدم قدرة المريض على فتح جفنه وفي الحالة الثانية إلى حول العين, في حين تتمكن البكتيريا من إنتاج هذا البروتين إذا توافرت لها الظروف المناسبة من انعدام الأوكسجين ورطوبة ودرجة حرارة وحموضة ملائمة.
أعراض جانبية
وأكدت الجوهر أن هذه المادة سامة جدا حيث تقوم بوقف إفراز مادة (الأسيتايل كولين) من النهايات العصبية مسببة بذلك شللا للعضلات وهو على ثلاثة أنواع الأول منها هو أكل طعام ملوث والثاني يتمثل في تلوث الجروح، أما النوع الثالث فيتمثل في الرضع عند تناولهم العسل.
وعن أعراض التسمم بالبوتوكس تضيف: "هذه المادة تسبب ازدواج الرؤية وعتامة وسقوط الجفن وتلعثم وصعوبة البلع, إضافة إلى جفاف الفم وضعف في العضلات"، وعن علاج هذه الأعراض تقول إن ذلك يتم بأخذ "مضادات السموم" في حين يحتاج ذلك إلى فترات طويلة حتى تنمو خلايا عصبية جديدة، وأشارت إلى أن البكتيريا نفسها والأبواغ لا تسبب أي تسمم لجسم الإنسان إلا إذا قامت بإنتاج هذا البروتين.
المعلبات الفاسدة والبوتوكس
وتضيف الدكتورة الجوهر أن هناك تشابها كبيرا بين التسمم بالأغذية الفاسدة والتسمم بالبوتوكس، وتقول موضحة: "إن التسمم بالأغذية الفاسدة ينتج بسبب تناول أغذية ملوثة بمادة البوتيولنم توكسن أي (بوتكس) فهي المادة نفسها التي تسبب التسمم لمستخدمي هذه المادة في العمليات التجميلية".
من جانبه, يؤكد الدكتور جمال جمعة أن الجرعة التي تفرزها البكتيريا في تعفن الغذاء جرعة بسيطة جدا ولا تكاد تذكر فهي بالتالي لا تسبب أي تسمم عصبي وتقتصر أعراضها على تسمم الأمعاء الذي يسبب الإسهال, بينما لا تصل إلى درجة تسمم الأعصاب.
ولتوضيح ما نشر في التقرير الذي أصدرته أخيرا الهيئة الأمريكية للدواء والغذاء حول مخاطر البوتوكس وحالات الوفاة الناتجة من أعراضه عند استخدامه في أغراض تجميلية يشير الدكتور جمال إلى أن في أمريكا جمعية يطلق عليها جمعية حماية المستهلك وهي جمعية تحاول أن تحذر من أي دواء يضر بالمستهلك وتركز الضوء عليه حتى يبتعد عنه المستهلكون، وأحصت هذه الجمعية في 12 سنة ما يقارب 76 حالة وفاة من جراء استخدام أدوية كان من ضمنها البوتوكس، لذلك صدر التقرير تجاه هذا الموضوع من هيئة الغذاء والدواء بناء على ما تقدمت به هذه الجمعية، وأوضح أن الحالات الـ 76 تم فيها استخدام مادة (البوتولاينم توكسين) المكونة للبوتوكس، مؤكدا أن حالة الوفاة التي أشار إليها التقرير المنشور من قبل الهيئة الأمريكية للغذاء والدواء كان نتيجة لحالات مرضية وليست تجميلية، مثل تشنج الأعصاب, وحالات الشلل الدماغي الذي يؤدي إلى تشنج العضلات، حيث تعالج تلك الحالات باستخدام البوتوكس، كما أن استخدامه كان عند مرضى حالتهم الصحية سيئة من ناحية القلب ومن ناحية الأعصاب والجرعة التي استخدمت كانت جرعة خاطئة وجرعة كبيرة, وهذه العوامل أدت إلى الوفاة.
الأسبرين أخطر من البوتوكس
أما عن استعمال مادة البوتوكس في الأغراض التجميلية فقد وصفه الدكتور جمال بـالأمر (العادي) في حالة عدم تجاوز الجرعة المسموح وهذا لا يشكل أي خطورة، وقال: "إن استخدام (الإسبرين) أخطر من استخدام الجرعة العادية للبوتوكس؛ فالأسبرين يسبب مضاعفات أخطر من مادة البوتوكس حينما يستخدم استخداما عاديا".
لكن الدكتورة هيا الجوهر ترى أن يقتصر استخدام البوتوكس لعلاج مشكلة صحية وترفض استخدامه في أغراض تجميلية، وتقول: "أرى أن يقتنع كل إنسان بالمرحلة العمرية التي وصل إليها، وأن يتعايش مع التغيرات الجسدية لكل عمر؛ فنحن لم نخلق لنتنافس بأشكالنا أو لندخل مسابقات الجمال، بل خلقنا لهدف أسمى وأنبل من ذلك، وعندما تتدخل يد الإنسان في تغيير ما خلقه الله تبرز المشكلات والأمراض ويبدأ بالبحث عن العلاج".
وأبدت الدكتورة الجوهر استياءها من التساهل في عمليات حقن البوتوكس حتى وصل الاستخفاف بهذا الأمر إلى أن عددا من المشاغل النسائية بدأت تقوم بتلك العمليات وتعلن عنها بلافتات داخل المشاغل وخارجها, مؤكدة أن ذلك يعد تهاونا بصحة البشر ولا بد من وضع حد مناسب لذلك.
ولفتت إلى أن هناك قصورا كبيرا من قبل المختصين في التجميل تجاه التحذير من مخاطر الجراحات التجميلية أو ما يعرف بـ (البلاستيك سيرجري).
وتدعو الدكتورة الجوهر هيئة الغذاء والدواء السعودية إلى ضرورة جمع معلومات عن الآثار الجانبية للأدوية وتفعيل ما تقوم به لجان متابعة الدواء بعد التسويق بحيث لا ننتظر من الغير تحذيرنا من تلك المخاطر.
وعن أنواع البوتوكس المستخدم في الصالونات النسائية أكد الدكتور جمال أن ما يستخدم فيها أقل جودة وهو من الصناعة الكورية أو الصينية، بخلاف الأصلي المصنوع في الولايات المتحدة أو بريطانيا.
البوتوكس ومشكلات نفسية
ولا تقف أعراض البوتوكس عند حد الأعراض المرضية، بل تتعداها إلى إصابة شريحة من المستخدمات بأعراض نفسية ربما تؤدي إلى درجة من عدم الرضا كما تقول خلود العمر (إخصائية نفسية)، وتضيف: "إن لاستخدام البوتوكس سواء للعينين أو لرفع الحواجب أو للأنف أو الفم دورا أساسيا في إخفاء العمر وآثاره، لكن هناك عددا من الآثار النفسية التي يتسبب فيها البوتوكس عندما ينقطع مستخدمه عنه بسبب ظهور بعض المضاعفات التي تمنعه من الحقن بعد أن تعود على شكله من دون تجاعيد، ما يجعله يرفض شكله من دونه، وهذا الأمر يؤدي إلى حالة من عدم الرضا عن الذات التي تصل بالمستخدم إلى حالة من الإحباط والتوتر والاستياء, وقد يلجأ إلى البحث عن بدائل أخرى في حال قرر الانقطاع عن استخدامه.
ونصحت الإخصائية النفسية كل من لديه مستوى من الرضا عن مظهره ألا يلجأ إلى البوتوكس حتى لا تقع في مخاطر وأعراض مرضية جسدية تتفاقم فيما بعد إلى المخاطر النفسية التي يصعب علاجها.