القـلوب تتآلـف
( وألّف بين قلوبهم، لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم، ولكن الله ألّف بينهم، إنه عزيز حكيم ).. ذكر سبحانه أن تأليف القلوب ليس بالأمر السهل أو الهين، والذي قد يقلل من شأنه كثيرون في أيامنا هذه، وفي اعتقادهم أن تأليف القلوب يمكن تحقيقه بالمال أو ما شابه..
توجد علاقة وطيدة بين الإيمان والحب؛ وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا.. ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم ) .
فإذا استقر الإيمان في القلب أثمر إخاء وحبًّا لكل المؤمنين؛ ولذلك قال تعالى في سورة الحجرات: {إنما المؤمنون إخوة}، ومعناها ما المؤمن إلا أخ للمؤمن.
الحب في الله رابطة من أعظم الروابط التى جعلها سبحانه أوثق عرى الإسلام والإيمان ، فقال - صلى الله عليه وسلم - أوثق عرى الإيمان الموالاة في الله والمعاداة في الله ،
والحب في الله والبغض في الله عز وجل )رواه الطبراني وصححه الألباني .
بل إن الإيمان لا يكمل إلا بصدق هذه العاطفة ،قال صلى الله عليه وسلم من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان )رواه أبو داود .والمرء يفضل على صاحبه بمقدار ما يكنه له من المحبة والمودة والإخاء ،قال - صلى الله عليه وسلم - ما تحاب اثنان في الله تعالى إلا كان أفضلهما أشدهما حبا لصاحبه )
رواه ابن حبان وصححه الألباني .
لقد كانت العداوة بين الأوس والخزرج من الأنصار قبل الإسلام شديدة وضارية، بل إن تلك الجاهليات ظهرت بينهم بعد الإسلام وحضرة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بينهم ، فلقد كانت حرباً جديدة على وشك أن تقع بينهم ولو لساعات قليلة، وكان يمكن أن تُسال دماء كثيرة وتزهق أنفس عديدة، لمجرد أن يهودياً بغيضاً ذكّر الأوس ببعض العداوات وضغائن القلوب التي ما زالت عالقة في الأذهان وكامنة في النفوس ضد الخزرج.
لكن لحسن حظ الطرفين أن الأمر وصل فوراً إلى حضرة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، الذي أطفأ شرارة نار عظيمة أرادها ذاك اليهودي البغيض أن تشتعل ..
الله سبحانه هو الذي تكفل بتأليف قلوب أولئك القوم، الذين نصروا رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، فكان أفضل جزاء دنيوي لهم على تلك النصرة، هو ذاك التآلف الذي أكرمهم الله به، حيث انتهت وتوقفت إسالة الدماء ودموع الأحزان، التي كانت ساخنة بينهم في الجاهلية
يقول ابن عباس رضي الله عنهما، إن الرحم لتُقْطَع، وإن النعمة لتُكْفَر، وإن الله إذا قارب بين القلوب لم يزحزحها شيئاً، ثم قرأ ( لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ).. وطبيعي أن الآية لا تقتصر على الأنصار فقط، بل على كل القلوب البشرية من بعد الأنصار، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.